عدد الرسائل : 608 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 18/05/2008
موضوع: هكذا كان يصوم رسول الله الثلاثاء أغسطس 26, 2008 12:33 am
هكذا كان يصوم رسول الله
إذ لو كان كذلك لما كان ـ عليه الصلاة و السلام ـ صائماً. فلما قرّت عينه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بمعبوده، و انشرح صدره بمقصوده، و تنعم بالُه بذكر مولاه، و صلح حاله بالقرب مِن ربّه نسي الطعام و الشراب، كما قال الأول: يقول ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: " كان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثارُ من أنواع العبادات، فكان جبريل عليه الصلاة و السلام يدارسه القرآن الكريم في رمضان، و كان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، و كان أجود الناس، و أجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة و الإحسان و تلاوة القرآن الكريم، و الصلاة و الذكر و الاعتكاف.
و كان يخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخصُّ غيره من الشهور، حتى إنه ليواصل فيه أحياناً؛ يقصر ساعات ليله و نهاره على العبادة، و كان ينهى أصحابه عن الوصول، فيقال له: إنك تواصل، فيقول: " لستُ كهيئتكم، إني أبيت عند ربي يُطعمني و يسقيني ".
و الله ـ عز وجل ـ يطعم رسوله عند هذا الوصال بلطائف المعارف، و درر الحكم و فيض أنوار الرسالة، لا بطعام و شراب حقيقة؛ فزادُ الرُّوح أرواحُ المعاني
و ليس بأن طعمت و لا شربتا
فليس يُضيرك الإفتارُ شيئاً
إذا ما أنت ربَّك قد عرفتا
و الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ أذكر الذاكرين، و أعبدُ العابدين، جعل شهر رمضان موسماً للعبادة، و زمناً للذكر و التلاوة. ليله ـ صلى الله عليه و سلم ـ قيام يناجي مولاه، و يضرع إلى ربه؛ يسأله العون و السداد و الفتح و الرشاد، يقرأ السور الطوال، و يطيل الركوع و السجود، شأن النهم الذي لا يشبع من العبادة، جعل من قيامه الليل زاداً و عتاداً، و قوة و طاقة. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً» (المزمل:1 ـ 2). وقال تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً» (الإسراء:79).
و نهاره ـ عليه الصلاة و السلام ـ دعوة و جهاد و نصح و تربية و وعظ و فتيا. و كان من هديه ـ صلى الله عليه و سلم ـ ألا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد.
و كان ـ عليه الصلاة و السلام ـ يحث على السحور؛ فقد صح عنه أنه قال: " تسحروا؛ فإن في السحور بركة" ؛ لأن وقت السحور مبارك؛ إذ هو في الثلث الأخير من الليل؛ وقت النزول الإلهي، و وقت الاستغفار. قال تعالى: " وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " (الذاريات:18)، وقال أيضاً:" والْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ" (آل عمران: من الآية17). ثم إن السحور عون على الصيام و العبادة، ثم هو صرف للنعمة في عبادة المنعم ـ سبحانه و تعالى.
و كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيما صحّ عنه أمراً و فعلاً ـ يُعجل الإفطار بعد غروب الشمس، فيفطر على رطب أو تمر أو ماء؛ لأن خالي المعدة أوفق شيء له الحلاوة، فكان في الرطب و التمر ما يوافق الصائم الجائع.
* و قد صحّ عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال: "إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد ". فكان ـ عليه الصلاة و السلام ـ بخيري الدنيا و الآخرة.
* و كان يفطر ـ صلى الله عليه و سلم ـ قبل أن يصلي المغرب.
و في الصحيح عنه ـ صلى الله عليه و سلم ـ أنه قال: " إذا أقبل الليل من هاهنا، و أدبر من هاهنا فقد أفطر الصائم".
* و سافر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فصام و أفطر، و خيّر الصحابة في الأمرين.
* و كان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم؛ ليتقوّوا على قتاله.
* و خرج ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبعض غزواته و سراياه في رمضان، بل كانت بدر الكبرى في رمضان، فنصره الله نصراً ما سمع العالم بمثله. و أفطر ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوتين من غزواته في رمضان كما أخبر بذلك عمر ـ رضي الله عنه ـ عند الترمذي و أحمد، و لم يحدد صلى الله عليه و سلم تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحدّ، و لا صحّ عنه في ذلك شيء.* و كان من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يدركه الفجر و هو جنب من أهله، فيغتسل بعد الفجر، و يصوم، و كان يقبّل بعض أزواجه و هو صائم في رمضان، و شبّه قبلة الصائم بالمضمضة بالماء.
* و كان من هديه ـ صلى الله عليه و سلم ـ إسقاط القضاء عمّن أكل أو شرب ناسياً، معللاً بأن الله ـ سبحانه ـ هو الذي أطعمه و سقاه.
و الذي صح عنه ـ عليه الصلاة و السلام ـ أن الذي يفطر الصائم: الأكل و الشرب و الحجامة و القيء. و القرآن الكريم دلّ على أن الجماع مفطر كالأكل و الشرب.
* و اعتكف ـ عليه الصلاة و السلام ـ في العشر الأواخر من رمضان، فنذر قلبه لله تعالى، و فرغ باله من هموم الدنيا، و سرح عين قلبه في ملكوت السموات و الأرض، و قلّل من التقائه بالناس، فأكثر من التبتّل و الابتهال و دعاء ذي الجلال و الإكرام. و عكف قلبه على مدارسة الأسماء و الصفات، و على مطالعة الآيات البيّنات، و التفكر في مخلوقات رب الأرض و السموات، فلا إله إلا الله، كم من معرفة حصلت له! و كم من نور ظهر له! و كم من حقيقة ظفر بها! فهو أعلم الناس بالله، و أخوف الناس من الله، و أتقى الناس لله، و أبلغ الناس توكلاً على الله، و أبذل الناس لنفسه في ذات الله؛ فعليه الصلاة و السلام ما تضوع مسك و فاح، و ما ترنم حمام وناح، و ما شدا بلبل و صاح.